أكياس النيكوتين: تحت اللسان حيلة جديدة لصناعة التبغ ولماذا منعت في فرنسا؟
تتناول هذه المقالة حقيقتها المخفية وراء منتجات أكياس النيكوتين التي توضع تحت اللسان أو اللثة، وتكشف كيف تعيد شركات التبغ تسويق النيكوتين بأسماء جديدة ونكهات جذابة على أنها بديل آمن، تستعرض المقالة المخاطر الصحية من أمراض القلب وتسوس الأسنان والتهابات اللثة إلى الإدمان وتأثيرات النيكوتين على الدماغ، وتحلل الأساليب التي تتلاعب بها الشركات بالرأي العام والعلمي لترويج هذه المنتجات.

في السنوات الأخيرة ظهرت منتج جديد في سوق التبغ يطلق عليه «أكياس النيكوتين» يعد بنقاء ونظافة ويباع في علب بيضاء أنيقة. هذه الأكياس الصغيرة توضع تحت الشفاه أو اللسان وتذوب ببطء، ويعد المصنعون بأنها بديل خالٍ من التبغ يخلصك من الرائحة الكريهة والدخان. لكن هذه الحيلة المحبوكة ليست سوى استمرار لنفس اللعبة القديمة: بيع الإدمان في عبوة جديدة. عندما نتتبع منطق الشركات المنتجة للتبغ نجد أنها تبني منتجاتها على الاستفادة من رغبات الناس في البحث عن وسيلة «آمنة»، ثم تقدم لهم حلًا يبقيهم أسرى لعنصر النيكوتين نفسه.
ما هي هذه الأكياس؟ إنها أكياس صغيرة مصنوعة من ألياف بيضاء تحتوي على جرعات من النيكوتين تتراوح بين ٣ و١٢٫٥ ملغ، إلى جانب منكهات ومحليات ومواد حافظة. توضع هذه الأكياس بين اللثة والشفاه، ويذوب محتواها في اللعاب لينتقل النيكوتين إلى مجرى الدم عبر الأغشية المخاطية. هذه الطريقة تبدو أكثر نظافة من مضغ التبغ أو تدخين السجائر، لكنها توفر طريقة أسرع لإيصال النيكوتين إلى الدماغ. ويغفل كثير من المستخدمين أن جرعة النيكوتين التي تدخل الجسم عبر هذه الأكياس قد تكون مكافئة أو تفوق ما يقدمه تدخين عدة سجائر في جلسة واحدة.
يحتوي كل كيس على تركيز من النيكوتين يكفي لتطوير اعتماد جسدي ونفسي قوي، إذ يصل النيكوتين إلى الدماغ في دقائق محفزًا مستقبلات الدماغ ومسببا حالة من اليقظة والنشوة المؤقتة. ومع الاستخدام المتكرر ترتبط هذه الحالة بنمط سلوكي يمكن أن يتحول إلى إدمان شديد. الدراسات تشير إلى أن النيكوتين يساهم في ارتفاع ضغط الدم وزيادة نبضات القلب وقد يؤدي إلى أمراض القلب والأوعية الدموية. كما أن وضع الأكياس تحت اللثة يقلل من إفراز اللعاب ويعرض الأسنان للتسوس ويرفع خطر الإصابة بالتهابات اللثة وتكون بقع بيضاء (طلاوة) قد تتطور لحقاً إلى سرطانات فموية. الشركات تصمت عن هذه الحقائق في إعلاناتها البراقة.
الضرر لا يقتصر على الجسد؛ في الدماغ يحفز النيكوتين مراكز المكافأة فيجعل المخ يعتمد عليه لتنظيم المزاج والتركيز. عند المراهقين واليافعين – وهم الفئة التي تستهدفها النكهات الجذابة مثل النعناع والفواكه – يكون الدماغ في طور النمو، والنيكوتين يمكن أن يضعف التعلم والذاكرة ويزيد احتمالات اضطرابات المزاج. تشير الأبحاث إلى أن التعرض المبكر للنيكوتين يغيّر مسارات التطور العصبي ويجعل الفرد أكثر قابلية للإدمان في المستقبل. هذه ليست تفاصيل ثانوية بل حقائق تتعمد الشركات تخفيفها أو تجنب ذكرها عند تسويق منتجاتها.
كيف تسوّق هذه الأكياس؟ تكتيكات التسويق مألوفة: ألوان زاهية، نكهات حلوة، وعبارات مثل «خالية من التبغ» أو «مصدر نقي للنيكوتين». هذا الخطاب يوحي بالأمان ويخفي واقع أن المنتج يظل حاملاً لمادة إدمانية قوية. الشركات تستغل الفراغ التشريعي وحقيقة أن هذه المنتجات جديدة نسبيا لترويجها بين الشباب على مواقع التواصل دون رقابة صارمة. عندما تواجه حظراً، تقوم بتغيير الاسم أو العبوة وتستمر في السوق. إنها لعبة القط والفأر نفسها التي رأيناها مع السجائر الإلكترونية؛ تغيير العبوات والنكهات لتفادي القيود وكسب جيل جديد من المدمنين.
إن فهم حقيقة أكياس النيكوتين يتطلب منا قراءة ما بين السطور. المادة النشطة هي نفسها النيكوتين، وهي مادة لا يمكن اعتبارها آمنة مهما تغيّرت طريقة تقديمها. تذكر أن الشركات التي تبيع هذه المنتجات تنتمي إلى صناعة التبغ التي بنت ثروتها على إخفاء المخاطر والتشكيك في العلم. لذا من الحكمة أن نحكم عقولنا ونفهم أن الصحة النفسية والجسدية ليست مجالًا للمساومة. إن البحث عن بدائل صحية لا يجب أن يقودنا إلى قبول منتج آخر يقودنا إلى الإدمان. الوعي والتنظيم الصارم هما خط الدفاع الوحيد أمام هذه الحيل الجديدة.
لماذا منعت فرنسا أكياس النيكوتين؟
حماية الشباب من الإدمان
الحكومة الفرنسية استندت إلى تحذيرات صحّية بأن هذه الأكياس تحوي كميات عالية من النيكوتين، وقدرتها على الانتشار بين المراهقين تثير القلق. فقد ارتفع عدد حالات التسمم المرتبطة بها من 19 حالة عام 2020 إلى 131 حالة عام 2022. وزيرة الصحة أكّدت أن هذه المنتجات "خطيرة" وأنه "من واجب الحكومة منع تسويقها".
معالجتها بحذر بالغ لحماية الصحة العامة
صنّفت فرنسا هذه المنتجات كـ "مواد سامة"، مما جعل من استخدامها وبيعها أمراً غير قانوني، مع فرض عقوبات صارمة. وقد جاء القانون برسالة واضحة: هذه المنتجات لا تُستخدم إلا في أطر طبية محددة مثل علاجات بدائل النيكوتين، وليس بحرية في السوق.
الجدول الزمني وتطوّر التشريع لمنع أكياس التدخين
• في فبراير 2025، أعلنت فرنسا نيتها حظر هذه الأكياس وأخطرت المفوضية الأوروبية.
• ثم أُرجئ التنفيذ حتى أغسطس 2025 بسبب اعتراض سبع دول أوروبية.
• وفي سبتمبر 2025 صدر الإعلان الرسمي بأن الحظر سيُطبق فعلياً في مارس 2026، شاملاً الصنع والاستيراد والبيع والاستخدام.
بادرة رأت أنها ضرورية رغم الجدل
من جهة، رحّبت منظمات الصحة العامة بالقرار، واعتبرته خطوة حاسمة لحماية الشباب من إغراءات إدمانية جديدة. ومن جهة أخرى، دعا المدافعون عن تقليل الضرر إلى تنظيم هذه المنتجات لا حظرها، بحجة أنها قد تساعد المدخنين البالغين على الإقلاع عن السجائر بوسيلة أقل ضرراً، كما حدث في دول مثل السويد التي اعتمدت بدائل مشابهة.
تلخيص تحليلي للمعرفة العلمية المحكمة حتى اليوم حول أكياس النيكوتين، وهل تساعد فعلاً على الإقلاع عن التدخين:
-
ما الذي تقوله التجارب العشوائية المنضبطة؟
التجارب المستقلة ما زالت قليلة وصغيرة المدة. أحدثها تجربة تجريبية عشوائية مفتوحة لمدة 4 أسابيع قارنت أكياس 3 ملغ مقابل 6 ملغ لدى مدخنين غير راغبين أصلاً في الإقلاع لكن منفتحين على الاستبدال. النتيجة: المجموعتان خفّضتا عدد السجائر يومياً، ولم يظهر فرق ذو دلالة بين الجرعتين في الانخفاض، لكن الامتناع التام ظهر عند نسبة قليلة في مجموعة 6 ملغ فقط. مؤشر التعرض لمسرطنات التبغ (NNAL) لم ينخفض لأن معظم المشاركين لم يتوقفوا تماماً عن التدخين. قراءة منطقية: الأكياس قد تُقلّل الاستهلاك سريعاً، لكنها لا تُثبت—حتى الآن—أنها تُحدث امتناعاً واسعاً أو خفضاً موثوقاً في السمّيات ما لم يحدث إيقاف كامل للتدخين. PubMed Central -
ماذا عن المراجعات المنهجية والأدلة المجمّعة؟
المراجعات الحديثة ترسم لوحة متحفظة: تشير إلى سُمّية أقل من السجائر وملف سموم أقرب لبدائل النيكوتين الدوائية، لكنها تشدد على هشاشة الدليل السريري على “الإقلاع” تحديداً، وقصر المتابعات، واعتماد نسبة معتبرة من الدراسات على تمويل الصناعة. خلاصة هذه المراجعات: إمكان “تقليل الضرر” قائم إذا تم الاستبدال الكامل، لكن دليل “الإقلاع” لا يزال محدوداً ويحتاج تجارب أطول وأكبر حجماً ومستقلة تمويلياً. Oxford AcademicPubMed Central -
هل يقلّ التعرض للسموم عند التحول الكامل؟
دراسات المؤشرات الحيوية عند “الاستبدال الكامل” تُظهر انخفاضاً كبيراً في التعرض لمكونات ضارة مقارنة بالاستمرار في التدخين، بينما يبقى الانخفاض غير واضح إذا كان الاستخدام “مزدوجاً” (أكياس + سجائر). الترجمة العملية: الفائدة المشاهدة ترتبط بالتحول الكامل لا المزج. PubMedResearchGate -
ما قدرة الأكياس على إيصال النيكوتين والسيطرة على الرغبة؟
الدراسات الدوائية تبيّن أن الأكياس—خصوصاً بالتركيزات الأعلى—تُوصل نيكوتيناً يماثل أو يفوق بعض بدائل النيكوتين، ويخفّض الرغبة الحادة، لكن دون محاكاة إحساس التدخين الحسي والسلوكي، ما قد يحدّ من قدرة بعض المستخدمين على “الاستبدال الكامل” دون إسناد سلوكي. PubMed CentralPubMedFrontiers -
ماذا عن السلامة والمخاطر؟
أ. على مستوى السمّيات غير النيكوتين: المحتوى الكلي للمواد الضارة أقل بكثير من دخان السجائر، لكنه ليس “صفراً”، وتوجد تباينات بين العلامات والتركيزات والنكهات. Tobacco Control
ب. على مستوى الأحداث السلبية: رُصدت حالات سمّية نيكوتين حادة من الاستخدام المتكرر بجرعات عالية؛ المخاطر ترتفع مع المنتجات عالية التركيز والاستخدام المتواصل. PubMed Central -
المسوح السكانية والاستخدام بين الشباب:
انتشار الأكياس يتزايد بين فئات شابة في عدة دول، مع صعودٍ في “الاستخدام المزدوج” مع السجائر الإلكترونية. هذا الاتجاه يرفع قلق “بدء استخدام النيكوتين” لا “إنهائه”، ما يدفع جهات تشريعية إلى تشديد التنظيم. علمياً، هذا يعقّد التقييم الكلي للصحة العامة لأن مكاسب تقليل الضرر لدى مدخنين بالغين قد تُقابلها أضرار بدء الاعتماد لدى الشباب. PubMed CentralCDCJAMA Network
الخلاصة العملية :
-
نعم، أكياس النيكوتين قد تُقلّل عدد السجائر سريعاً، وقد تساعد قلةً من المستخدمين على الامتناع خلال أسابيع إذا كانت الجرعة كافية والدعم السلوكي حاضر. لكن الدليل القاطع على “فعالية إقلاعية” واسعة ما زال غير مكتمل، وأغلب النتائج قصيرة المدى وصغيرة العيّنات. PubMed Central
-
تقليل التعرض للسموم يتحقق فعلياً عند “الاستبدال الكامل” لا عند المزج. من يستمر في إشعال السجائر مع الأكياس لا ينال خفضاً موثوقاً في السمّيات. PubMed
-
من منظور سياسات الصحة العامة، أي ربح محتمل لمدخنين بالغين يجب أن يُوازن مقابل مخاطر بدء استخدام النيكوتين عند اليافعين. هذا التوازن هو الذي قاد بعض الدول لتشديد القيود.